القيام بالدعوة
دروس وفوائد :
قُمْ فَأَنْذِرْ .. كانت هذه الآيات المتتابعة إيذانًا للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه، وأنه أمامه عمل عظيم, يستدعي اليقظة والتشمير، والإنذار والإعذار، فليحمل الرسالة، وليوجه الناس .
تحرك أبي بكر t في الدعوة إلى الله تعالى يوضح صورة المؤمن الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به .
وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسته لم يفتر أو يضعف إلى أن توفاه الله جل وعلا.
وفي موقف أبي بكر فائدة أخرى وهي عامل من عوامل نجاح الداعية وهي جاهه ومكانته وعلاقاته في المجتمع واختلاطه بالناس .
قال ابن إسحاق في أبي بكر: (وكان رجال من قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته).
إذن .. أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر أبي بكر t في الإسلام أكثر من غيره .
الشباب هم حملة الرسالة، وعماد الدعوة :
عندما تحرك في دعوته للإسلام استجاب له صفوة من شباب مكة أسلموا على يد أبي بكر، كم كانت أعمارهم؟
● عثمان بن عفان t 34 / عبد الرحمن بن عوف t 30 / سعد بن أبي وقاص t 17 / الزبير بن العوام t 12 / طلحة بن عبيد الله t 13 .
كان هؤلاء الأبطال الخمسة وغيرهم من شباب مكة، الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة .. إذا أردنا للأمة النهوض نقول: أين شبابنا اليوم؟ هل يستشعرون الهم؟
كانت الدعوة في هذه المرحلة سرية 3 سنوات .. هذا يدعون إلى سؤال: هل السرية منهج ثابت لا بد منه، أو التقيد بمداها الزمني 3 سنوات؟
الجواب: لا .. السرية كانت مرحلة اقتضتها ظروف وواقع الدعوة .. وليست أمراً حتمياً على كل من أراد أن يقوم بالدعوة في كل مجتمع .
الأحوال تختلف .. هناك مجتمعات تقتضي ظروفها الكتمان والسرية كما وقع في بعض الدول الشيوعية وبعض الدول التي خضعت للاتحاد الروسي .. وهناك دول أخرى فيها من الحرية ما لا يقتضي السرية .
فقه النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع السنن :
إن بناء الدول وتربية الأمم, والنهوض بها يخضع لقوانين وسنن .
وعند التأمل في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نراه قد تعامل مع السنن والقوانين بحكمة وقدرة فائقة .. كأهمية القيادة في صناعة الحضارات، وأهمية الجماعة المؤمنة المنظمة .. وأهمية المنهج الذي تستمد منه العقائد والأخلاق والعبادات .
ومن السنن الله الواضحة فيما ذكر سنة التدرج ، وهي من السنن الهامة التي يجب على الأمة أن تراعيها وهي تعمل للنهوض والتمكين لدين الله .
ولهذا بدأت الدعوة الإسلامية الأولى متدرجة .. بمرحلة الاصطفاء والتأسيس، ثم مرحلة المواجهة والمقاومة، ثم مرحلة النصر والتمكين .
من الخطأ أن بعض العاملين يظنون أن التمكين وتغيير واقع الأمة ربما يتحقق في طرفة عين!!! وهذا محال .
لا يمكن أن نقيم مجتمعًا إسلاميًا حقيقًا، بقرار يصدر من رئيس, أو ملك, أو من مجلس برلماني، إنما يتحقق ذلك بطريق التدرج، أي بالإعداد، والتهيئة الفكرية والنفسية والاجتماعية.
وهو نفس المنهج الذي سلكه النبي r لتغيير الحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية، فقد ظل ثلاثة عشر عامًا في مكة، كانت مهمته الأساسية فيها تنحصر في تربية الجيل المؤمن, الذي يستطيع أن يحمل عبء الدعوة، وتكاليف الجهاد لحمايتها ونشرها في الآفاق، ولهذا لم تكن المرحلة المكية مرحلة تشريع بقدر ما كانت مرحلة تربية وتكوين .